سورة يونس - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياءً} قرأ الأكثرون: {ضياءً} بهمزة واحدة. وقرأ ابن كثير: {ضئاءً} بهمزتين في كل القرآن، أي: ذات ضياء. {والقمر نوراً} أي: ذات نور. {وقدَّره منازلَ} أي: قدَّر له، فحذف الجار، والمعنى: هيَّأ ويسَّر له منازل. قال الزجاج: الهاء ترجع إِلى {القمر} لأنه المقدّر لعلم السنين والحساب. وقد يجوز أن يعود إِلى الشمس والقمر، فحذف أحدهما اختصاراً. وقال الفراء: إن شئتَ جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة، لأن به تُعلمَ الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما، فاكتفي بذكر أحدهما من صاحبه، كقوله: {واللهُ ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه} [التوبة 62]. قال ابن قتيبة: منازل القمر ثمانية وعشرون منزلاً من أول الشهر إلى ثماني وعشرين ليلة، ثم يستسرُّ. وهذه المنازل، هي النجوم التي كانت العرب تنسب إِليها الأنواء، وأسماؤها عندهم: الشِّرََطان، والبُطَيْن، والثُّرَيَّا، والدَّبَرَان، والهَقْعة، والهَنْعة، والذِّراع، والنَّثْرة، والطَّرْفُ، والجبهة، والزُّبْرة، والصَّرْفة، والعَوَّاء، والسِّماك، والغَفْر، والزُّبَانَى، والإِكليل، والقلب، والشَّوْلَة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذَّابح، وسعد بُلَعْ، وسعد السُّعود، وسعد الأخبية، وفَرْغ الدَّلو المقدَّم، وفرغ الدلو المؤخَّر، والرِّشاء وهو الحوت.
قوله تعالى: {ما خلق الله ذلك إِلا بالحق} أي: للحق، من إِظهار صنعه وقدرته والدليل على وحدانيته. {يفصِّل الآيات} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {يفصِّل} بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {نفصِّل الآيات} بالنون، والمعنى: نُبَيِّنُها. {لقوم يعلمون} يستدلُّون بالأمارات على قدرته.
قوله تعالى: {لآيات لقوم يتقون} فيه قولان: أحدهما: يتقون الشرك. والثاني: عقوبةَ الله. فيكون المعنى: إِن الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق.
قوله تعالى: {لا يرجون لقاءَنا} قال ابن عباس: لا يخافون البعث. {ورضُوا بالحياة الدنيا} اختاروا ما فيها على الآخرة. {واطمأنُّوا بها} آثروها. وقال غيره: ركنوا إِليها، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. {والذين هم عن آياتنا غافلون} فيها قولان:
أحدهما: أنها آيات القرآن ومحمد، قاله ابن عباس.
والثاني: ما ذكره في أول السورة من صنعه، قاله مقاتل. فأما قوله: {غافلون} فقال ابن عباس: مكذِّبون. وقال غيره: مُعْرِضون. قال ابن زيد: وهؤلاء هم الكفار.
قوله تعالى: {بما كانوا يكسبون} قال مقاتل: من الكفر والتكذيب.
قوله تعالى: {يهديهم ربهم بأيمانهم} فيه أربعة أقوال: أحدها: يهديهم إِلى الجنة ثواباً بإيمانهم. والثاني: يجعل لهم نوراً يمشون به بإيمانهم. والثالث: يزيدهم هدى بإيمانهم. والرابع: يثيبهم بإيمانهم. فأما الهداية، فقد سبقت لهم.
قوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار} أي: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو.
قوله تعالى: {دعواهم فيها} أي: دعاؤهم. وقد شرحنا ذلك في أول [الأعراف: 5].
وفي المراد بهذا الدعاء قولان:
أحدهما: أنه استدعاؤهم ما يشتهون.
قال ابن عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئاً، قالوا: {سبحانك اللهم} فيأتيهم ما يشتهون؛ فاذا طعموا، قالوا: {الحمد لله رب العالمين} فذلك آخر دعواهم. وقال ابن جريج: إِذا مرَّ بهم الطير يشتهونه، قالوا: {سبحانك اللهم} فيأتيهم المَلَكُ بما اشتَهَوْا، فيسلِّم عليهم، فيردُّون عليه: فذلك قوله: {وتحيتهم فيها سلام}. فإذا أكلوا، حمِدوا ربهم؛ فذلك قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
والثاني: أنهم إِذا أرادوا الرغبة إِلى الله تعالى في دعاءٍ يدعونه به، قالوا: {سبحانك اللهم}، قاله قتادة.
قوله تعالى: {وتحيتهم فيها سلام} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحية بعضهم لبعض، وتحيَّة الملائكة لهم، قاله ابن عباس. والثاني: أن الله تعالى يُحَيِّيهم بالسلام. والثالث: أن التحية: المُلْك، فالمعنى: مُلكهم فيها سالم، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {وآخر دعواهم} أي: دعاؤهم وقولهم: {أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين} قرأ أبو مجلز، وعكرمة، ومجاهد، وابن يعمر، وقتادة، ويعقوب: {أنَّ الحمدَ لله} بتشديد النون ونصب الدال. قال الزجاج: أعلم الله أنهم يبتدؤون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه. وقال ابن كيسان: يفتتحون كلامهم بالتوحيد، ويختمونه بالتوحيد.


قوله تعالى: {ولو يعجِّلُ اللهُ للنَّاسِ الشرَّ} ذكر بعضهم أنها نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: {اللهم إِن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 8]. والتعجيل: تقديم الشيء قبل وقته. وفي المراد بالآية قولان:
أحدهما: ولو يعجِّل الله للنَّاسِ الشرَّ إذا دَعَواْ على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم، واستعجلوا به، كما يعجِّل لهم الخير، لهلكوا، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: ولو يعجل الله للكافرين العذاب على كفرهم كما عجَّل لهم خير الدنيا من المال والولد، لعُجِّل لهم قضاء آجالهم ليتعجَّلوا عذاب الآخرة، حكاه الماوردي. ويقوِّي هذا تمامُ الآية وسببُ نزولها. وقد قرأ الجمهور: {لقُضيَ إِليهم} بضم القاف {أجلُهم} بضم اللام. وقرأ ابن عامر: {لقَضَى} بفتح القاف {أجلَهم} بنصب اللام. وقد ذكرنا في أول [سورة البقرة: 15] معنى الطغيان والعمه.


قوله تعالى: {وإِذا مسَّ الإِنسان الضرُّ} اختلفوا فيمن نزلت على قولين: أحدهما: أنها نزلت في أبي حذيفة، واسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أنها نزلت في عتبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة، قاله عطاء. و{الضر} الجهد والشّدة. واللام في قوله: {لجنبه} بمعنى على. وفي معنى الآية قولان: أحدهما: إِذا مسه الضر دعا على جنبه، أو دعا قاعداً، أو دعا قائماً، قاله ابن عباس. والثاني: إِذا مسه الضر في هذه الأحوال، دعا، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فلما كشفنا عنه ضُرَّه مَرَّ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أعرض عن الدعاء، قاله مقاتل. والثاني: مَرَّ في العافية على ما كان عليه قبل أن يُبتلى، ولم يتَّعظ بما يناله، قاله الزجاج. والثالث: مَرَّ طاغياً على ترك الشكر.
قوله تعالى: {كأن لم يَدْعُنَا} قال الزجاج: {كأن} هذه مخففة من الثقيلة، المعنى: كأنه لم يدعنا، قالت الخنساء:
كَأَنْ لم يكونوا حِمىً يُتَّقَى *** إِذ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ مَنْ عَزَّ بَزَّا
قوله تعالى: {كذلك زُيِّنَ للمسرفين} المعنى: كما زُيّن لهذا الكافر الدعاء عند البلاء، والإِعراض عند الرَّخاء، كذلك زُيّن للمسرفين، وهم المجاوزون الحدَّ في الكفر والمعصية، عملُهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8